أحدث الأخبارمقالات

انطباعات وتوقعات لانتخابات فلسطين 2021

بقلم: فتحي صبّاح

من الطبيعي والمنطقي عدم مقارنة انتخابات 2021 مع انتخابات 2006، أو 1996، ففي 1996 جرت الانتخابات الرئاسية والتشريعية في شكل متزامن، وحركة “فتح” نافست نفسها، ولم ينافسها أي فصيل أو قائمة قوية، وبذلك حصدت الأغلبية.

وفي 2006 تم تنظيم الانتخابات التشريعية في شكل منفصل عن الرئاسية، التي نُظمت اضطراريا في 2005، بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات رحمه الله، فيما توحدت قائمتا “فتح” في اللحظة الأخيرة، ودخلت الحركة المنافسة موحدة.

وفي 2006 ظهرت “حماس” وفصائل وقوائم أخرى في مواجهة “فتح”، لم تواجهها في 1996، وخلافا لكل استطلاعات الرأي، التي رشحت “فتح” لاكتساح المجلس التشريعي، فازت “حماس” بأغلبية 74 مقعدا.

وتم تنظيم انتخابات 1996، و 2006 وفق النظام المختلط النسبي والدوائر، فيما ستُنظم انتخابات 2021 وفق النسبية 100 في المئة مع خفض نسبة الحسم من 2 في المئة إلى 1.5 في المئة، ما يتيح للقوائم الصغيرة تحقيق بعض النتائج الايجابية.

وبينما كانت نتائج انتخابات 2006 أحد أسباب الانقسام، فإن الشعب الفلسطيني يطمح ويتمنى أن تكون نتائج 2021 رافعة للوحدة، ومُنهية للانقسام، لكنها قد تُعمقه أكثر من ذي قبل في حالت حصدت “حماس” أغلبية مقاعد المجلس.

ولو كنت صاحب القرار في “حماس” لقدمت قائمة لا يزيد عدد أعضائها عن 35 مرشحا، كي تطمئن كل الأطراف المحلية والاقليمية والدولية، بما يساهم في اشاعة أجواء ومناخات ايجابية وبنّاءة تمهد لنجاح انتخابات 2021، وتمريرها في شكل سلمي وهادئ.

ونظرا لأن الناس جربوا سيطرة “فتح” وحدها على مجلس 1996، وجربوا سيطرة “حماس” على مجلس 2006، فأتوقع أنهم لن يسمحوا في 2021 لأنفسهم بالتصويت بكثافة لأي من الفصيلين، حتى لا يسيطر أحدهما، أو يسيطرا معا على المجلس المقبل.

هناك سبب أخر قد يدفع الناس لعدم التصويت لقائمتي حركتي “حماس” و”فتح” تيار الرئيس محمود عباس، وربما قائمة تيار النائب محمد دحلان، الذين، من وجهة نظرهم، ارتكبوا جريمة الانقسام، ولم يتمكنا عباس و”حماس” (أو قل لايرغبان في انهائه إلا وفقا لشروط كل طرف)، ومعاقبتهم جميعا بعدم التصويت لقوائمهم الثلاثة.

قبل أيام قليلة كانت حظوظ “فتح” أقل من اليوم، فالناخب الفتحاوي الغاضب من عباس كان متوقعا أن يصوت لقائمة دحلان، والغاضب من عباس ودحلان لم يجد من سيصوت له، وربما صوت لقوائم أخرى، والأن بعدما أصبح أمام الناخب الفتحاوي خيارا ثالثا فقد يصوت الغاضبون والناقمون على عباس ودحلان لقائمة القدوة البرغوثي، الذي يحظى برمزية وشعبية في صفوف أبناء “فتح” والشعب الفلسطيني.

وبذلك ربما ستكون انتخابات 2021 الأولى، التي لن تخسر فيها “فتح” أي صوت، ولن يكون هناك فائض أصوات أو أصوات مبعثرة، أو مهدرة، كما في انتخابات 1996، و 2006.

وفيما لو حصلت كل قائمة فتحاوية من القوائم الثلاث على نحو 25 مقعدا، فسيكون لديها أغلبية كبيرة من 75 مقعدا من أصل 132، علما أن الأغلبية المطلقة تعادل 67 مقعدا، أي النصف 66 مقعدا زائد واحد.

وهناك احتمال أن تتعاون كتل “فتح” الثلاثة، أو أن تجد نفسها مرغمة على التعاون والتنسيق، تحت قبة البرلمان، في تشريع قوانين، أو في مجال الرقابة والمساءلة في مواجهة الخصوم السياسيين، بخاصة حركة “حماس”.

هذا يعني أن “فتح” ستكون الكتلة الأكبر، تليها، استنادا لكل التوقعات، كتلة “حماس”، لأنها قد تحصد بين 30 إلى 40 مقعدا، ثم تليها كتلة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي قد تحصد بين 7 إلى 10 مقاعد، نظرا لتعاطف كثير من الفلسطينيين مع أمينها العام الأسير الرمز أحمد سعدات، الذي يقضي حكما بالسجن مدته 30 عاما على خلفية اغتيال وزير السياحة الاسرائيلي اليميني المتطرف رحبعام زئيفي.

إذ شكل اغتيال زئيفي بعد أقل من شهرين على اغتيال سلطات الاحتلال الاسرائيلي الأمين العام السابق أبو علي مصطفى سابقة أولى وأخيرة وماركة مسجلة باسم “الشعبية”، لم تُقدم عليها “حماس” ردا على اغتيال مؤسسها وزعيمها الروحي الشيخ أحمد ياسين، ولا “فتح” ردا على موت، أو اغتيال عرفات إن شئتم.

أسباب أخرى قد تساهم في حصد “الشعبية” هذا العدد من المقاعد، أهمها تضمين قائمتها المناضلة الأسيرة خالدة جرار، التي تحظى باحترام كبير في مواجهة الاحتلال وتفرد عباس، والأسير عاهد أبو غلمي المتهم اسرائيليا بقيادة الجهاز العسكري لـ”الشعبية”، وخلية اغتيال زئيفي، فضلا عن عدم ضلوعها في الانقسام، وعدم تلوثها بفساد السلطة والحكم وظلم الناس.

أما قائمة رئيس الحكومة الأسبق سلام فياض فلن يكون لها نصيب ذا قيمة من مقاعد المجلس، بخاصة في قطاع غزة، قد لا يتجاوز عدد مقاعدها أصابع اليد الواحدة، إذ يرى كثير من الغزيين أن فياض، الذي ترأس أول حكومة بعد الانقسام كان سوط عباس، الذي أدمى ظهور أهل غزة، وأذاقهم الويلات، وحرمهم من رواتبهم وجوازات سفرهم، وساهم في حصار غزة ماليا وسياسيا، بدعوى تدفيع “حماس” ثمنا، دفعه مليونا فلسطيني في القطاع من قوت أبنائهم وحريتهم.

وقد تحصد بعض القوائم الأخرى الأصغر حجما والأقل فعلا سياسيا وكفاحيا وفي الرأي العام على عدد من المقاعد يتراوح بين مقعد واحد وخمسة مقاعد، علما أنه كلما حصل عدد أكبر من القوائم الـ36 على مقاعد أكبر، كلما زاد التنوع، وتقلصت سيطرة الفصيلين الكبيرين “فتح”، و”حماس”.

في كل الأحوال، وعلى أهمية تسجيل نحو 93 في المئة من الشعب الفلسطيني أنفسهم في سجل الناخبين، إلا أن الأهم يبقى أن هذا الاقبال على التسجيل يعكس، بكل تأكيد، رغبة جامحة، لدى الشعب على التغيير، ومعاقبة كل من ارتكب جريمة أو خطيئة في حقه، ليس فقط خلال سنوات الانقسام، بل من تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، ومعاقبة رئيس لم يفعل شيئا لخلاص شعبه وحريته واستقلاله، وقسّم البلاد والعباد بين “فتح” و”حماس”، بل قسّم “فتح” إلى ثلاث كتل أيضا.

ويسود انطباع لدى معظم الناس، بخاصة، في قطاع غزة، أن الرئيس سيلغي الانتخابات التشريعية في اللحظة الأخيرة، إما بدعوى عدم سماح سلطات الاحتلال بتنظيمها في القدس، أو بسبب تفشي جائحة كورونا، أو لأي سبب أخر نجهله حتى الأن، وسنعرفه بعد حين.

فيما يرى أخرون، وأنا منهم، أنه سيمضي قدما في تنظيم الانتخابات في الضفة وغرة والقدس، لسببين، الأول عناده واصراره، والثاني حصول كتل “فتح” الثلاث على أغلبية مقاعد البرلمان، ودحر “حماس” عن القمة، التي اعتلتها عام 2006.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى