أحدث الأخبارمقالات

بعنوان: الأسرى.. ما بين الالتزام الأخلاقي وما بين تحويلهم لورقة مساومات أو بضاعة سياسية

إذاعة صوت الشعب – بقلم الأسير: منذر خلف مفلح

لعل أهم ما يصنع الإرادة الجامعة لأية مؤسسة أو تنظيم أو تكتل هو ذلك الالتزام الأخلاقي والتعهد غير المكتوب ما بين الأفراد، وما بين الأفراد والقيادة، أو ذلك الالتزام ما بين أفراد الجماعة على الدعم والحماية والالتزام بالدفاع عنهم، وتوفير كافة المُمكنّات من أجل تعزيز الإرادة الجامعة، وتفعيل القيم الأخلاقية كرابط يؤسس لقوة الجماعة وقوة التزامهم، معززة بالقيم والمبادئ والأفكار التي تبلور شكل الجماعة، وتجعل من السهولة على أفرادها أن يتفاونوا من أجل الجماعة، ويضحوا ويُقدموا أغلى ما يملكون في سبيل الأهداف العامة أو الجامعة ” الفرد للجماعة، والجماعة من أجل الفرد”.

ولطالما حافظت الثورة الفلسطينية كجماعة ومؤسسة وتنظيم على هذا العهد غير المكتوب أو الالتزام الأخلاقي تجاه مقاتليها، بحمايتهم والدفاع عنهم وعن أسرهم وخاصةً الأسرى كفئة من المقاتلين الذين ناضلوا ووقعوا في الأسر، فلو راجعنا سرد التاريخ الثوري لفصائل العمل الوطني لرأينا هذا الالتزام والتعهد الأخلاقي، والحفاظ عليه وممارسته كمهام لها أقصى الأولويات، فتم خطف الطائرات ومهاجمة الفنادق، واحتجاز الرهائن، وخطف الجنود.. الخ، كجزء من أشكال العمل الثوري الهادف لاحتجاز رهائن أو الخطف لمبادلتهم من أجل ضمان هدف تحرير الأسرى الفلسطينيين من السجون، وهو ما عزز من قيم وأهداف الثورة وأجج النضالات، وعزز وأعلى من شأن التضحية في سبيل الثورة وفلسطين، وساند الأسرى في نضالاتهم المطلبية داخل السجون، باعتبارهم جزء من حركة النضال والتحرر الوطني، وأنهم جزء من كل لا ينفصل، بل يتعزز عبر النضال المشترك والإيمان العميق بأن العمل على تحريرهم جارٍ، وفي كل لحظة، والقناعة الراسخة بإسنادهم في أي مهمة نضالية أو اضراب يقدموا عليه من أجل تحقيق مطالبهم داخل السجون، أو تعزيز نضالهم. 

وبطبيعة الحال انتقل هذا الأمر بعد انفكاك هذا التعهد والالتزام الأخلاقي وتَحولهّم لسلعة تفاوض في إطار الصفقات السياسية بعد أوسلو، مما فكك القيم الإيمانية لدى الأسرى بالحرية رغم القيد، وعزز مفهوم التخلي عنهم خاصةً بعد أوسلو.. واعتبار أنفسهم بضاعة للمساومة، وهو ما ظهر جليًا، إثر الصفقات المتتالية منذ العام 1993 حتى اللحظة، باستثناء صفقة وفاء الأحرار 2011، ويبدو أن الصفقة المنتظرة منذ العام 2014، ستبقى قيد الانتظار بحججٍ واهية، فقد نجحت الثورة، وكان لديها الإيمان بتحرير الأسرى وهي بعض أفراد وبعض مجموعات لا تمتلك إلا إيمانها بضرورة تحرير الأرض والإنسان، بعقد صفقات والإفراج عن الأسرى، فيما اليوم المقاومة لديها بحسب البيانات الإعلامية ما يقارب 70 ألف مقاتل تعرج أمام مهمة تحرير الأسرى، وتفترض أن المُعطّل لعملية التحرير هو عدم جدية الكيان بالإفراج عن الأسرى، أو دفع الثمن بمفهوم الصفقات، ليبرز السؤال الحقيقي متى كان الكيان جاهزاً لدفع الثمن، دون إجباره على دفعه؟ ومتى كان خيار دفع الثمن هو الرغبة الصهيونية!.

ليبقى السؤال، وسيبقى بلا إجابات، وسيبقى الأسرى ورقة مساومة، بل أنهم تَحولوّا لبضاعةٍ سياسية رهن المقايضة من قبل الأطراف كافة، فمنذ سنوات تُدار السياسة الفلسطينية على شكل وبأسلوب الصفقات، بما يُحوّل بنود كل صفقة إلى بضاعة تخضع لقانون السوق، بحسب مفهوم الصفقات.

منذ تبلور مشروع أوسلو “كصفقة”، وما تلاها من اتفاقيات جزئية، تَحولّت الثوابت الفلسطينية السياسية، لمجرد بضائع في الصفقات الإطارية، التي أصبحت سمة السياسة الفلسطينية  الرئيسية، بل تَحولّت بعض المبادئ الأساسية لسلعة يتم تداولها في السوق، وخاصةً صفقات التهدئة، والتي كان آخرها صفقة التهدئة الأخيرة ما بين السلطة والاحتلال وما تلاها من عقد مؤتمر العقبة، والتي تسرب من بنودها (تهدئة الشارع الفلسطيني، إعادة التنسيق الأمني، السيطرة على الشارع، وإعادة تقوية السلطة وخاصةً في جنين ونابلس، ووقف الهجمة على القدس، وهدم المنازل، والبند الأهم تعهد الاحتلال بعدم شرعنة بؤر استيطانية في القريب، مقابل سحب مشروع إدانة الاحتلال في الأمم المتحدة!!) حسب ما ذكرته وسائل الإعلام.

بكل الأحوال، ليست بنود الصفقة هي مدار البحث بقدر ما هي أولاً سمة الصفقات كأسلوب سياسي، والأهم عدم تضمين الصفقة أي بند يتعلق بوقف الهجمة على الأسرى أو تحديد موقفهم من القانون الدولي، فالسلطة التي كان عليها أن تتوجه للأمم المتحدة لحماية الأسرى، والدفاع عنهم أمام تَغوّل الاحتلال والحكومة الفاشية، تتعاطى مع موضوع الأمم المتحدة بشكلٍ تكتيكي لرفع قدرتهم التفاوضية في إطار الصفقات  المتتالية، مرةً أخرى تُسقط بضاعة الأسرى من بنود الصفقة الجديدة.

فالأسرى قد أصبحوا بضاعة سياسية منذ العام 1993 منذ توقيع أوسلو، وتنفيذ هذا الاتفاق لاحقًا 1994، دون الإفراج عنهم، ومرور عشرات الصفقات منذ ذلك الوقت وفي كل صفقة يتم إسقاط بند الأسرى، حتى الصفقة الأخيرة التي كان عنوانها التهدئة، في حين أن الهجمة الشرسة على القدس مستمرة، وغزة محاصرة والضفة مستباحة، والسلطة تَحولّت بفعل القوانين، وتعزيز الصلاحيات، واتفاقيات الائتلاف الحكومي في الكيان لحارس أمن للاحتلال ولبند خاضع لصلاحيات المتطرف سموتيرتش، والأنكى أن يتم إسقاط بند الأسرى من صفقة التهدئة في الوقت الذي يستعد الأسرى فيه للإضراب لمواجهة القوانين العنصرية ضدهم مثل”قانون الإعدام” والاجراءات الفاشية لوزير الأمن الداخلي، وبعد رسالة موجهة للرئيس والحكومة، وأعضاء التنفيذية واللجنة المركزية من السجون للوقوف معهم في مواجهة الهجمة الشرسة ضدهم؟ وكذلك رسائل مشابهة لشعبنا وفصائله يعود الأسرى وحدهم! فمن تُمثّل القيادة التي أقدمت على الصفقة؟ أتُمثّل الشعب؟ أتُمثّل أمهات الشهداء والأسرى؟ أتُمثل الأسرى؟ أتُمثل الأشبال الذين يحملون السلاح في مواجهة المُحتل؟ أيمثلون شعبنا الذي أعلن العصيان المدني في القدس، والذي يحتاج لكل جهد فلسطيني وعربي وأممي للصمود، أم أهل غزة المحاصرون أم شعبنا أهل الداخل، أم شعبنا في الضفة. نشك في ذلك، وأخيرًا هل وصلت رسائل الأسرى للقيادة، ففهمت أن عليها أن تتخلى عنهم بمعركة شرسة تُخاض ضدهم؟!. 

بقلم عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية، مسؤول الإعلام في فرع السجون، مدير مركز حنظلة للأسرى والمحررين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى