أحدث الأخباررئيسيةرئيسية 1شؤون فلسطينية

“جيفارا غزة”..محمد الأسود في ذكرى استشهاده

مسيرة وحياة القائد والمعلم والإنسان

يصادف اليوم “يوم الشهيد الجبهاوي” ذكرى استشهاد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، وقائدها العسكري في قطاع غزة، محمد الأسود “جيفارا غزة”، ورفيقيه عبد الهادي الحايك، وكامل العمصي.

ولد الشهيد محمد محمود مصلح الأسود (جيفارا غزة) في 6/1/1946 في مدينة حيفا وخرج مع أسرته بعد النكبة 1948 نازحًا إلى قطاع غزة وسكن في إحدى مخيمات وكالة الغوث.

درس الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس وكالة الغوث، وحاول إكمال دراسته الجامعية في مصر ولكن عائلته لم تستطع مساعدته فترك الدراسة وعاد للقطاع بعد سنة واحدة حيث عمل هناك موظفًا بسيطًا. انضم الرفيق إلى حركة القوميين العرب في عام 1963 وأخذ ينشط في كل المجالات فكريًا وتنظيميًا وأصبح من عناصر التنظيم النشطة في القطاع.

عند نكسة حزيران 1967 أصبح قائدًا لإحدى المجموعات المقاتلة في منظمة (طلائع المقاومة الشعبية) ثم في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ونفذ مع مجموعته عدة عمليات جريئة خلال بدايات العمل المسلح، قام بعدة عمليات ناجحة أوقفت سيل الزوار الصهاينة لقطاع غزة.

اعتقل الشهيد جيفارا في 25/1/1968 وبقي في السجن لمدة سنتين ونصف حين أطلق سراحه في تموز 1970.

واصل نضاله بعد خروجه من السجن مباشرة في صفوف الجبهة الشعبية، وقام بنشاط مكثف في إعداد المجموعات العسكرية وتدريبها وتثقيفها.

تدرج بجدارة في موقعه التنظيمي لما بذله من نشاط وانضباطية عالية وجدية وتقدير للمسؤولية وقدرة على الإبداع والمبادرة حتى أصبح نائب المسؤول العسكري، ثم تولى المسؤولية العسكرية بعد استشهاد رفيقه وتسلم قيادة العمل العسكرية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قطاع غزة حتى استشهاده بعد أكثر من سنتين.

في جو المطاردة واستشراس العدو قاد جيفارا غزة رفاقه الثوار بشكلٍ ديناميكي لا يعرف اليأس، واستطاع بسرعة ربط التنظيم السياسي والعسكري، واهتم بإنشاء اللجان العمالية والنسائية والاجتماعية ورعاية أسر الشهداء وحتى ترتيب مكتبة مركزية ومكتبات فرعية في القطاع للتثقيف السياسي والحزبي وكان مثالاً في صبره واجتهاده لكل الرفاق.

استطاع “جيفارا غزة” أن يكسب ثقة أبناء غزة حين تصدى لمؤامرات الصهاينة في تهجير سكان غزة بأن نظم مظاهراتهم وإضرابهم الكبير، كما عاقب الخونة والعملاء للعدو بعد أن حاكمهم محاكمة عادلة وحذرهم قبل ذلك من التمادي في الخيانة، ووضع شعارًا لمحكمة الثورة هو “أن الثورة لا تظلم.. لكنها لا ترحم”. فكريًا كان “جيفارا غزة” يهتم في ظروف العمل العسكري والواجبات التنظيمية اليومية والعمليات الفدائية، يهتم اهتمامًا كبيرًا نتيجة قدراته وإمكانياته النظرية ويلتهم ما يصل إليه من كتب بذهنية وتركيز شديدين، وكان يلتزم تمامًا بالنقد والنقد الذاتي في العمل التنظيمي. يوم استشهد فقدت جماهير غزة ابنًا بارًا وقائدًا عظيمًا لنضالاتها، وفقدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بفقده أحد قادتها الأبطال. استشهد بعد معركة بطولية خاضها مع رفاقه في قطاع غزة يوم 9/3/1973.

جيفارا القائد والمعلم والإنسان

إن المهمات الضخمة التي كان يقوم بها الرفيق محمد الأسود “جيفارا غزة” من قيادة للعمل سياسيًا وعسكريًا والجهد الجبَّار الذي كان يبذله في متابعة كل القضايا التنظيمية وبناء الحزب والاتصال والتفاعل مع كافة نشاطات الثورة في الداخل والخارج وبرغم الجهد الكبير الذي كان يبذله للتخفي والانتقال من مكان إلى آخر باستمرار.

إلا أن هذا كله لم يكن عائقًا أمام الاطلاع والدراسة في شتى ميادين العلوم السياسية والعسكرية، فقد كان يلتهم الكتاب الذي يصل اليه التهامًا، انه يمتلك قوة ذهنية رهيبة وقدرة على الاستيعاب والتذكر، ولا ننسى يومًا عندما كان يخاطب رفاقه المقاتلين حول الانضباطية اللازمة لكل ثائر “تعلموا من تجارب رفاقنا الذين سبقونا في النضال”.

وعند حدوث أي خطأ يقع فيه ويأخذ أي رفيق في محاسبته أو عندما كان يأتيه نقد من قيادتنا خارج فلسطين المحتلة كان الرفيق محمد الأسود “جيفارا غزة” يتصرف كحزبي ممتاز مطبقًا مبدأ النقد والنقد الذاتي وكلماته المأثورة في هذا الصدد “فبالنقد والنقد الذاتي نستطيع أن نحول الخطأ إلى صواب والسلبيات إلى إيجابيات”.

ولقد كان يتقبل النقد بكل رحابة صدر بل ويشعر بالارتياح لأن رفاقه واعين متابعين كل شئ وكان يقول “أتمنى دائمًا أن توجهوا لى النقد البنّاء، وأعترف أنني أخطأت”.

لقد كان الرفيق جيفارا يهتم كثيرًا برفاقه المعتقلين وأسرهم وأسر رفاقه الشهداء انه محب بطبعه فقد أحب الناس وأحبته الجماهير فقد كان اسمه على كل لسان الرجال والنساء والأطفال لقد كان والد الجميع يحس أحاسيسهم ويشعر بما فى نفوسهم ويسهر على راحتهم ويعمل المستحيل لرعايتهم ولقد كان دائمًا يوصى رفاقه ويقول “لا تنسوا رفاقكم الشهداء، لا تنسوا رفاقكم المعتقلين، لا تنسوا أن علينا واجب توفير كل قرش لاعانه أسر رفاقنا، ان صراخ اليتامي والأرامل فى وجهي، ان الصور كلها تمر أمامى، الوجوه تصرخ بكل ما يرتسم عليها من آلام، لا تنسوا شعبنا الذى يقاسى آلام التشرد والضياع، شعبنا الذى يضع فى ثورته كل الآمال”.

ان رفيقنا جيفارا محب، محب لشعبه، محب لرفاقه، يحرص على كل واحد منهم حرصه على نفسه، انه وهو المجرب وقد علمته السنون خبرة واسعة فهو يريد كل رفيق أن يكون على مستوى الثائر الذى يحافظ على نفسه ليعيش أطول فترة فى خدمة ثورته وكثيرًا ما كان يخاطب رفاقه المقاتلين قائلاً “على كل مقاتل أن يتحرك بعقل وحكمة وأن يعمل بسرية تامة، ويحصن نفسه بقواعد غير مكشوفة، لا يتحرك بأى مظهر عسكرى إلا عند القيام لتنفيذ عملية وبأمر مسبق من المسؤول حافظوا على علاقتكم بالجماهير فهى سلاحكم وسندكم، تقيدوا بتعاليم الحرب السرية، التزموا بذلك وتقيدوا به جيدًا، وعندها لن تستطيع قوة مهما عظمت الوصول اليكم، المهم أن نبتعد عن المسلكية العاطفية، بل تجردوا من العواطف إلا من حبكم وتقديركم لثورتكم، ومثله كان دائمًا من لا يحافظ على نفسه لا يحافظ علي ثورته، وبالتالى تجب محاكمته، وإيماننا أيها الرفاق هو: إنك لن تموت إلا إذا أخطأت”.

جيفارا عسكريًا

“جيفارا غزة” مبتكر العديد من وسائل التخفى التى كانت تسهل عليه الافلات من قبضة العدو مرارًا.

انه الأسطورة للفدائى العنيد المسلح بالخبرة الطويلة والحنكة النادرة، ويكفى أن نسجل هنا أنه بقى أربع سنوات مطاردًا للعدو داخل قطاع غزة السهلى حيث لا تساعد طبيعته الجغرافية على سهولة الاختباء، ظل جيفارا لغزًا محيرًا للعدو طوال أربع سنوات كان يقود نضال الجبهة طوال آخر ثلاث سنوات.

جيفارا الديناميكى الذى لا تمضى عليه أربع ساعات فى مكان واحد، أوجد له ملجأ فى كل مكان من قطاع غزة الضيق، لقد أحبته الجماهير وفتحت بيوتها له، ولقد جن جنون العدو يوم أن قام باحتلال غزة عسكريًا، أكثر من عشرين ألف جندى مجهزين بكل وسائل التحرك والاتصال الحديثة مستخدمًا العديد من الطائرات الطوافة بحثًا عنه وعن رفاقه، لم يتركوا مدينة ولا قرية ولا حارة ولا زقاقا ولا بستانا بل لم يترك العدو شبرًا فى قطاع غزة إلا ودخله ولكن خابت آمالهم وفشلت خططهم أمام عبقرية جيفارا العسكرية.

جيفارا واضع تكتيك اضرب عدوك ضربات سريعة متلاحقة وفى أماكن عدة متباعدة وفى نفس الوقت، حتى يفقد العدو صوابه وحتى لا يترك له مجالاً للبطش بمنطقة منفردة.

لقد كان أسلوب العدو وبعد كل ضربة توجه إليه القيام بفرض حصار شامل على منطقة الحدث يبقى فيها أهالى تلك المنطقة لأكثر من أسبوع يعانون فيها أقصى أنواع التعذيب الوحشي وحيث لا مأكل ولا مشرب أحيانًا، وحيث اقتحام البيوت وتحطيم كل شئ وسرقة ما يجدونه.

لقد أجبرهم جيفارا غزة على ترك هذا الأسلوب عندما كان يوجه للعدو عدة ضربات متفرقة وفى نفس الوقت. بل وكان يحدث أن تقوم مجموعات خاصة بمفاجأة تجمعات العدو المستخدمة فى الحصار، ان حادث يوم 6/7/1971 شاهد علي ذلك عندما اقتحمت مجموعة من رفاق جيفارا منطقة الحصار وقذفوا تجمعات العدو بالقنابل وأمطروهم الرشاشات مما أدى إلى مقتل أربعة جنود صهاينة وجرح العديد منهم وكان ذلك على مرأى الجماهير المُحاصرة مما سبب في إرباك العدو ورفع معنويات جماهيرنا المُحاصرة.

لقد تراجع العدو مرغمًا عن أسلوب العقاب الجماعي واقتصروا بعد ذلك على فرض حصار جزئى على منطقة الحادث ولمدة ساعات فقط وأحيانًا بدون إجراء.

جيفارا واضع خطط استدراج العدو حيث المكان والزمان يحددهما جيفارا وحيث يقع العدو فى المصيدة وهناك العديد من العمليات يؤكد ذلك وما حادث وادى غزة إلا دليلاً على ذلك، فقد نصب ثوارنا كمينًا لدورية للعدو وفى نفس الوقت كانت مجموعات خاصة تنتظر قوات نجدة العدو التي تأتى عادة بعد كل حادث وفاجئوها بوابل من الرصاص والقنابل مما أفقد العدو صوابه وخلخل انضباطه العسكري وتفتت قواته، ولقد فقد أحد سائقى عربة لوري محملة بالجنود أعصابه وتدهورت العربة فى وادى غزة من فوق الجسر.

اتبع جيفارا أسلوب الكر والفر، فبعد كل ضربة توجه الينا وبعد كل عملية بطش وتصفية وملاحقة كان الرفيق جيفارا يأمر بالتريث وإعطاء أنفسنا فرصة للمراقبة والمتابعة وإعطاء فرصة توهم العدو بأن الثورة إنتهت، كما يعطى الأمان للعملاء والمطلوبين لمحكمة الثورة فيأخذون بالظهور من جديد وبعدها يكون جيفارا قد أعاد ترتيب أوضاعنا التنظيمية والعسكرية وانتهى من وضع مخططات عملنا مستقبلاً حيث لا يتوقع العدو ولا عملاؤه ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى